المستشار
عدد الرسائل : 65 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 11/11/2008
| |
المستشار
عدد الرسائل : 65 العمر : 38 تاريخ التسجيل : 11/11/2008
| موضوع: رد: النساء بين عنف النصوص وعنف التأويل ! الأحد يناير 25, 2009 3:12 am | |
| - 2-عنف النصوص التشريعية القانونيةوهو عنف ينهض به المتخصصون في إنتاج النصوص القانونية التي تنظّم المجال الدنيوي وكذا المقدّس، وهم يخضعون في ذلك للإرادة السياسية ولمنطق حفظ المصالح. فما نعاينه في عديد التشريعات الخاصة بقانون الأحوال الشخصية هو التلاعب بمصائر النساء كإلغاء قانون الأحوال الشخصية المصري لسنة 1979بعد أن استمتعت النساء ببعض الامتيازات التي وفّرها لهن، وكتراجع المشرّع الليبي مؤخرا عن سفر المرأة بدون محرم، وكمنع تحديد النسل في إيران إثر اندلاع الثورة ثمّ إباحته الآن ، وكسنّ قوانين الزيّ الموحّد المفروض على النساء بدعوى الحفاظ على الأخلاق العامّة وعفة المرأة، ومعاقبة كلّ امرأة تخالف القوانين باللجوء إلى الزجر والضرب وتحويل المرأة إلى شبح يتسلل إلى الساحة العامّة. ومن القوانين المجحفة بحقّ المرأة قانون 1995 الذي يسمح للأمهات العاملات بمغادرة العمل بعد 15 من الخدمة بغية توفير وظائف للرجال. ويمكن الإشارة أيضا إلى ما تعكسه بعض النصوص القانونية من آراء تساهم في تدنّي مكانة المرأة. فالقانون المغربي ينصّ مثلا على تبين حال الفتاة المقبلة على الزواج هل هي بكر أم لا المادة 42 وتثبت المادة 27 أنّه لا يمكن للزوج الدخول، أي تسلّم جسد المرأة قبل دفع المهر. وهكذا انتقلت السيطرة البطريكية من نطاق رجال القبيلة/ العشيرة إلى سيطرة الدولة على النساء وإجازتها التحكّم بمصيرهن ونقلهن من وضع قانوني إلى آخر وفق الإرادة السياسية أو الضغوط الاجتماعية أو منطق الهوى.وتكمن صور أخرى من صور العنف في عدم تشجيع أغلب التشريعات العربية النساء على اقتحام المجال السياسي ورفضها توفير أدنى حماية لهن أضف إلى ذلك النصوص التشريعية التي لا تعتبر المرأة مواطنة كاملة الحقوق. نذكر في هذا الصدد رفض عديد البلدان (سوريا، البحرين ....)للمرأة بنقل الجنسية إلى أبنائها أو زوجها.ولا يمكن التغاضي عن صور أخرى توضّح عنف المشرّع وتواطؤ الدولة ويتمثل ذلك في توخي موقف الصمت أمام اعتداءات توجه للنساء كالاغتصاب الزوجي أو سفاح القربى أو الخفاض أو المتاجرة بالنساء خدمة لمؤسسات الحريم المعاصرة أو تحجيب الفتيات الصغيرات . وعلاوة على ذلك نلاحظ استمرار هيمنة بعض الأعراف على القوانين في المجتمعات المعاصرة. ومن هذه الأعراف ما يتعلّق بالتحكّم في الجسد الأنثوي. فابسم الأعراف تحرم المرأة من الإرث في عديد المجتمعات ويتم التغاضي عن عدم الالتزام بما ورد في القرآن من أوامر بينما يتمسّك بعضهم بتطبيق الشريعة في أحكام الزنا والردّة والسرقة وغيرها من أحكام الحدود. وباسم العادات ينافح البعض عن ختان البنات مستهزئين بانتهاك حرمة الجسد وكأن حقّ المرأة في حفظ النفس لا يعادل حقّ الرجل ، وباسم العفة يتم انتهاك حق البنت في الاستمتاع بطفولتها فتجبر على جرّ الذيول ووضع الحجاب في جميع البلدان حتى في البلدان التي كانت تشكّل الاستثناء كتونس.وتتجلى مأسسة العنف ضدّ المرأة والتضحية بها في تساهل بعض الدول مع جرائم الشرف في بلدان مثل العراق وفلسطين والأردن وسوريا وغيرها إذ تصفح الجماعة عن القاتل وتعاقب الضحيّة. ولعل الخطورة تكمن في الألفة الحاصلة بين الأعراف والقوانين. فالعنف الذي تمارسه الأسرة يستند إلى القانون والرغبة السياسية التي تبارك بدورها هذه الممارسات أو تتغاضى عنها أو تشرّعها أو تلتزم التجاهل حيالها فتقف ضدّ كلّ محاولات تغييرها أو تتعمّد الصمت والتلاعب بتاريخ الانجازات والمكتسبات. وأيّا كان الأمر فالعنف المسلّط على النساء مضاعف: عنف الأهل والخلان، وعنف الأعراف والقوانين والمؤسسات: عنف الماضي والحاضر.-3-عنف الفتاوىيمارس المشرفون عن مراقبة المقدّس عنفا لا يقلّ أهمية عن عنف المشرّع القانوني إذ تطل علينا بين الحين والآخر فتاوى تنتهك كرامة النساء من ذلك مجموعة الفتاوى التي تبيح زواج المسيار والوشم والدم والمتعة والمصياف والـBoy Friend وفتوى تحريم الأنترنت على المرأة بدون محرم، وفتوى تحريم جلوس الرجل على كرسي جلست عليه امرأة، وفتوى رضاع الكبير تلافيا للاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل. وهي ظاهرة تنم عن الفوضى المنتشرة داخل المؤسسة الدينية الرسمية وخارجها كما أنّها علامة دالة على "هوامات" ) fantasmes) أغلب الرجال ومخاوفهم وقلقهم إزاء التحوّلات التي أفضت إلى تغيير في نمط الحياة والمعاملات ووسائل النقل وغيرها كما أنّها أدت إلى تغيير في وضع المرأة وفي رؤيتها لذاتها ولمكانها في المجتمع فضلا عن التغيير الذي أصاب مكانة الرجل ودوره في الأسرة والمجتمع.تعكس مجمل هذه النماذج التي عرضناها بعضا من إنتاج ثقافي كرّس آليات العنف وساهم في مأسسة ثقافة العنف. وواضح أنّ العنف الممارس على المرأة اجتماعيا وثقافيا ورمزيا له انعكاسات خطيرة على مكانتها إذ لاحظنا في السنوات الأخيرة تراجعا في منزلة المرأة وحدا من مكتسباتها . فقد أفضى استشراء ثقافة العنف إلى ترسيخ الصور النمطية التي تلحّ على اعتبار المرأة كائنا قاصرا لا يبلغ الرشد مهما فعل. فهي تظلّ في نظر المجتمع الذكوري، طفلة’ناقصة العقل والدين’ وهي بحاجة إلى التأديب بالضرب إن اقتضى الأمر ،حتى تلزم حدودها وتقبل بالقوامة الرجولية وترضى بالكنّ في بيتها ولا تخترق المجال العامّ ولا تعبث بالنظام الجندري، ولا تطاول على وضعها" الطبيعي" "ولا تزاحم الرجال."إنّ الناظر في بنية الخطاب أو النصّ يقف على بنى وأنساق ذهنية أدت إلى هذا الوضع . فالنصوص لا تحتل قيمة إلاّ من خلال القارئ الذي يحللها ويعيد صياغتها من جديد وفق ظروفه وسياقه التاريخي والاجتماعي والثقافي وانتمائه الأيديولوجي.4- عنف التأويليقودنا استقراء نماذج من كتب التفسير والفقه إلى الانتباه إلى أنّ أغلب المفسّرين قرأوا النصّ من موقعهم الخاصّ ودافعوا عن امتيازات المجتمع الذكوري الذي صدروا عنه. فلا غرابة أن رأيناهم مثلا يحوّلون الآيات التي تشير إلى حقّ الزوج في الطلاق إلى قانون صارم أبدي لا يمكن المساس به بينما صارت الآيات الداعية إلى حقّ المرأة في أن تعامل بالعدل والإحسان، من منظورهم، مجرد توصيات متروكة لضمير الرجل. وقس على ذلك نماذج أخرى تعجّ بها كتب التفسير والفقه والحديث وغيرها ، وهي ككل عمل بشري تحوي هنات.ولا يختلف الأمر اليوم كثيرا عمّا كان عليه القدامى فالمتشدّدون يجوّزون لأنفسهم النطق نيابة عن الله ويعمدون إلى تأويل القرآن وفق أيديولوجيا ’الإسلام السياسي’. وبيّن أنّ عسر مواجهة التأويل الذكوري للنصوص الدينية هو العامل الرئيسي الذي يثني عددا من النسوة ، في أغلب المجتمعات، عن اقتحام مجال المشاركة السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية. ويمثّل الخطاب الديني المتشدّد الذي أنتج بشأن أهليّة المرأة للمشاركة السياسية مثلا عقبة رئيسية تحول دون نيل المرأة العربية حقّا من حقوقها الرئيسية.ولا يخفى أنّ ما يميّز هذا الخطاب قدرته الفعلية على التأثير في الجمهور والهيمنة على العقول. إذ يحظى رجال الدين وشيوخ الإفتاء ودعاة الفضائيات بثقة مستهلكي خطاباتهم وإعجابهم بل تقديسهم. وبناء على ذلك فإنّهم يحرّكون الجمهور ويحوّلونه إلى ’تيّار مقاوم’ رافض اختراق المرأة المجال الذكوري، إذ يفهم هذا الأمر على أنّه تطاول على الذات الإلهية التي خصّت الرجال بفضائل منها القوامة،والدرجة، والرئاسة، والزعامة في كافة مجالات الحياة. ولئن استطاعت بعض النساء تجاوز هذا العائق النفسي فإنّ الأغلبية ترفض خوض غمار حرب التأويل.وممّا لاشكّ فيه أنّ مواجهة التهديد الذي يحاصر مكانة النساء يقتضي منّا أن ننزّل قضية العنف المسلّط عليهنّ في سياق عامّ تشهده المجتمعات المعاصرة عربية كانت أو غير عربية. فأشكال العنف جلّية نعاينها في كلّ مظاهر الحياة اليومية، وفي المجالين: الفضاء الداخلي الخصوصي الذي تهيمن عليه الأسرة بقوانينها التميزية، وفي الفضاء الخارجي العام حيث تسود قوانين المجتمع البطريكي. ومن ثمّة فإنّ ما يحدث في المجال الاجتماعي أو الثقافي أو الديني أو السياسي ليس إلاّ انعكاسا لظاهرة العنف ككلّ. ولا سبيل إلى تطويق المسألة ومعالجتها معالجة جذرية طالما أنّنا لم نعترف بوجود تجاوزات ولم نقم بتفكيك بنية العنف وتحليل مختلف العوامل المؤدية إلى استشرائها واتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة بحماية المواطن وضمان حقّه في الحياة.آمال قرامي amel_grami@yahoo.com• جامعية من تونس | |
|