من الغريب جدآ أن تحشر الدول الزيدية السابقة و قادتها و رموزها في كل التغيرات
السياسية التي مرت بها اليمن و التي لا يقصد بها إلا خلط
الأوراق و تضييع الحقيقة و تشويه التاريخ ..
و ربما يكون الدافع من وراء توجيه أصابع الإتهام إلى الزيدية سواءآ الدولة أو الأئمة هو دافع
سياسي بحت لأن المذهب الزيدي هو المذهب الوحيد على الإطلاق الذي دمج السياسة في
الدين وجعل من السياسة ركيزة أساسية بين الركائز التي يعتمد عليها ، مثل مسألة تشريع
القيادة أو الإمامة ، ومسألة الخروج على الحاكم الظالم ..
و لذلك السبب فلم نعد نستغرب عندما نجد أن كل مشكلة حصلت للزيدية أو أي تهمة
وجهت لهم سواءآ من الداخل أو من الخارج كان سببها الرئيسي هو السياسة ، لأن
الزيدية قد نصبوا العداء لرأس كل نظام ظالم و فاسد والذي بدوره لم يألو جهدآ في تشويه
صورتهم قبل أن تلتفت إليه أنظارهم ، وأستخدم جميع الوسائل لحربهم ، سواء
بالمواجهة ، أو بشن ما أصبح يسمى اليوم بالحرب الإستباقية ، أو قتل رموزهم
وعلمائهم الذين لم يفصلوا الدين عن السياسة كما فعل الآخرون ..
ولا شك أن هذه النظرية هي نظرية ربانية قرآنية بالدرجة الأولى فقد وعد الله تعالى
المؤمنين بالعزة و الغلبة وأمرهم بقتال رؤؤس الشر وأئمة الكفر حتى يسود الحق على الباطل ..
فكيف سيسود الحق مادام الظلم و الجور و الباطل هو الذي يحكم و كيف سيمثل
الناس دين الله مادام الظالم يستعلي رقاب المؤمنين ، وكيف ستهنأ الأمة بالخير ماداموا قد
فرطوا في عزتهم التي جعلها الله حقآ مشروعآ لهم وخنعوا لمن شهر سيفه أمام دين الله ..
و لكن ومع الزمن تغيرت فكر المسلمين تجاه هذه النظرية و
علموا يقينآ بأنه لا شرعية لظالم أبدآ أن يكون هو خليفة الله في أرضه ..
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلآ لوجدنا أن التاريخ يؤكد لنا صحة العداء السياسي للزيدية
على مر العصور والذي تم تغطيته في بعض الفترات بغطاء الدين ..
فمثلآ إنتهج بنو أمية إبان حكمهم سياسة المواجه بالجيوش الكبيرة عدة وعتادآ
مع الرموز الذين تبنوا تلك النظرية كما حصل مع الإمام زيد بن علي حين حشدوا عليه
جيشآ مدججآ بالرجال و السلاح أفضى إلى إستشهاده وتعقب أنصاره ..
أما العباسيون فبالإضافة إلى ذلك العمل فقد استخدموا أساليب جديدة للحيلولة دون تمكن
الناس من تطبيق تلك النظرية، مثل الإغتيالات لرموز وعلماء الزيدية في ذلك الوقت كما
فعلوا مع أبناء الحسن المثنى ، أو إعتقالهم كما فعل بالإمام أحمد بن عيسى و البعض منهم
قضوا في السجون و المعتقلات ..
وأحيانآ كانت الأنظمة الحاكمة والظالمة تستخدم طرقآ سياسية مبطنة ضد الزيدية مثل
تشويه سيرتهم و إتهامهم بأبشع التهم لكي يبنوا حاجزآ بينهم و بين الناس كما فعلوا مع الإمام
الهادي يحيى بن الحسين حين إتهموه بأبشع التهم ، وأيضآ بعض الرجال الذين نقلوا لنا
النظريات و المفاهيم الزيدية كما فعلوا مع محمد بن منصور المرادي ، وأبو خالد الواسطي
حيث إتهموهم بالكذب و الخيانة والتدليس ليفصلوا بين الحاضر و الماضي وليحولوا دون وصول
تلك الثوابت إلى الأجيال المتعاقبة ..
و في التاريخ الحديث حصل ما يدعم ذلك ، فإن الحرب التي شنت في عام 1962 م على
المناظق الزيدية بالذات في اليمن على يد النظام المصري في ذلك الوقت و التي تجاهلها
كتاب التاريخ بشكل غريب ، كانت لها دوافع سياسية بحته
لمواجهة النظرية السياسية
الدينية الزيدية في اليمن ..
وأيضآ ماشهدته محافظة صعدة ومازالت تشهده من حروب
سياسية متواصلة على أكثر من جبهة و بأكثر من سلاح ..
فقد إستخدموا طريقة الحرب المفتوحة و الشاملة و التي أتت على الأخضر و اليابس ، وقد
تجلت فيها أنصع صور الظلم و الإستبداد فلم يأخذهم في أبنائها إلآ ولا ذمة ، ولأسباب
واهية و كاذبة ومزيفة تتغير مع كل جولة للتغطية على الأسباب
السياسية الحقية خلف تلك الحروب المتوالية ..
وعلى جبهة أخرى مطلية بطلاء الدين كانت تدور هناك حرب ضروس وهي حرب العقائد و
الأفكار و الثوابت الدينية ، و التو كان بطلها الرئيسي هم الخلايا الوهابية التي تمكنوا من
زراعتها بشكل مباشر داخل الجسد الزيدي في محاولة سياسية خبيثة للقضاء على النظرية السياسية الدينية ..
ناهيك عن تسخير جميع وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية ، وشراء الأقلام و
الظمائر لهدف واحد و هو تشويه صورة الزيدية و الإساءة إلى تاريخهم ، و القضاء على
نظريتهم السياسية التي تؤكد على عدم مشروعية سياسة الظلم و الإستبداد التي يطبقونها و يتسلطون على إثرها ..
و هكذا تتضح الأسباب الحقيقة وراء كل ما تعرض له الزيدية ، وأن هناك حربآ حقيقة بين
نظريتين سياسيتين ، نظرية سياسة الظلم و الجور و
الإستبداد ، و نظرية السياسة الدينية القرآنية التي تبناها الزيدية ..