على حالة البؤس والنقمة والغياب التام للدولة وخدماتها الأساسية التي تعيشها محافضة الجوف راهن الكثير على أن تكون هذة المحافضة احدى ساحات الحرب التي تدور بين السلطة وجماعة الحوثي منذ العام 2004م . علماً أن اشعال جبهة الجوف كان هدفاً رئيسياً لقيادة الحوثيين وذلك لتشتيت جهود الدولة وتخفيف الضغط على جبهة صعدة ، إضافة وهو الأهم الموقع الإستراتيجي المفتوح على الخارج عبر المساحات الواسعة التي تربطها بالمملكة العربية السعودية ، واتصالها بالجنوب الملتهب عبر منفذ(العبر) والصحراء المحاذية ، وتربطها حدود مفتوحة مع جبهتين مشتعلتين هما جبهة آل عمار بصعدة وجبهة سفيان بعمران ، كما تطل هذة المحافظة على مارب حيث عصب الإقتصاد اليمني(النفط) والذي لن يكون بعيداً عن ألسنة اللهب المشتعلة على حافتة الشمالية ، ولقد أدرك المحافظ السابق منصور أحمد سيف هذة التداعيات الخطيرة لإشعال جبهة الجوف فأحبط كل محاولات إشعالها سواء من قبل الحوثيين أو من قبل شخصيات نافذة بصنعاء لها إرتباطات بالمحافظة ، والتي حاولت من خلال عمليات صغيرة ومعزولة أن تستجر ردود فعل عنيفة من قبل الدولة ومن ثم المواجهة .
في مساء الــ15 من يوليو 2008م أُُشعلت الشرارة التي أدخلت المحافظة في حرب دامية لازالت تستعر وتتمدد حتى اليوم ، مجموعة مسلحة من قبيلة (آل راصع) تعترض سيارة عليها اثنين من الحوثيين القادمين من برط ومن دون مقدمات تطلق عليهم النار فتقتل أحد الحوثيين (العنسي)و نجا الآخر . تفاجأ الجميع بما حدث وبدأوا يتسائلون عن الدوافع وراء هذة الحادثة غير المبررة ، فتوقيتها كان مريباً ، ففيما كان الناس يتنفسون الصعداء لإنحسارالعمليات العسكرية في صعدة وخفوت أصوات المعركة بعد المؤشرات الواضحة لإيقاف الدورة الخامسة لهذة الحرب والتي تجلت بإعلان أجهزة الإعلام الرسمية في 10/7/2008م التوصل الى هدنة تبدأ بحرف سفيان ، وبعد طلب مجلس الدفاع الأعلى في 12/7/2008م النازحين العودة الى منازلهم. في هذا التوقيت الذي بدأ فيه إخماد الجبهات المشتعلة ، تشتعل جبهة ظلت خامدة طوال السنوات الأربع للحرب ، وقبل 24ساعة فقط من إعلان الرئيس في 17/7/2008م إنهاء هذة الحرب والى الأبد . هل ماحدث إستباق لهذا الإعلان؟ هل تم التخطيط لهذا الحادث في هذا التوقيت لخلق واقع جديد في المحافظة لايتأثر بمفاعيل هذة التهدئة؟ من الذي أشاع مباشرة خبر مظلل أن الذي قُتل في هذا الحادث هو(أبوراس) قائد الحوثيين في برط؟ هل كان المطلوب رد فعل عنيف ومتهورمن قبل الحوثيين؟ ربما ، بدليل أن هذا ماحدث فبعد ساعات قام الحوثيون وقبل التأكد من الخبر بنصب كمينين جرحوا في الأول 6 وقتلوا في الثاني 4. سادت حالة من التوتر والخوف والقطاعات والكمائن المتبادلة وبدأ البعض يشير الى دور ما يقوم به خالد الشريف رئيس اللجنة العليا للإنتخابات ، مستدلين بأن قائد الحرس الخاص به (أمين أبوحسين) الذ ينتمي الي قبيلة (آل راصع) غادر صنعاء الى الجوف بتاريخ 13/7/2008م قبل الحادث بيومين فقط وقاد المجموعة التي قامت بالحادث الذي أشعل الفتنة . كما يستدلوا بكميات الأسلحة التي تصل لهذة القبيلة عبر أشخاص مقربين من الشريف والتي آخرها مدفعين ثقيلين وسيارة محملة بالذخائر إستخرجها من إحدى الجهات الحكومية بتاريخ 17/1/2009م بعد أن سرب خبراً في جريدة أخبار اليوم بتاريخ 13/1/2009م العدد(1589) مفادة أنه تم ضبط كمية من الأسلحة والذخائر في حرف سفيان كانت مرسلة من قائد الحوثيين الى أتباعة في الجوف ، وهو مانفاه الحوثيون. إضافة الى إستئجاره ثلاث شقق بجوار منزله لإيواء عشرات الجرحى ومرافقيهم وتحمله تكاليف كل ذلك . وبما أن لكل عمل دوافعة يشير البعض الى أن خالد الشريف يسعى من وراء إشعال هذة الحرائق الى إبراز دورة وأهميتة بالنسبة للنظام وللمحافظة على موقعة في السلطة بحيث لايمكن الإستغناء عنه في ظل الإضطرابات في المحافظة . الى جانب الكميات الهائلة من الأموال والأسلحة التي يستخرجها كتعويضات ومجهود حربي للقبائل والتي يرسل القليل منها ويحتفظ لنفسة بحصة الأسد . وأثناء كل ذلك يصفي حساباته مع أطراف داخل المحافظة تقف عائقاً أمام بسط نفوذه ، ومن أهم الشخصيات المستهدفه الشيخ أمين العكيمي المعارض البارز وشيخ قبائل الشولان التي اختار الشريف أحد فروعها(آل راصع) كرأس حربة لمواجهة الحوثيين . هذا الواقع الجديد الذي صنعته الحادثة الإستباقية لإعلان وقف الحرب تم التمهيد له بالعديد من الإجراءات التي عززت فرص نجاحه ، وأهمها ، إستبعاد المحافظ السابق منصور أحمد سيف و إغتيال الأمين العام السابق للمحافظة حسن العراقي ومن ثم اختيار عبدالوهاب الظمين ابن عم خالد الشريف ليحل محلة . إضافة الى نقل اللواء الـ19 الذي يقودة يحيى معصار من المحافظة للعلاقة الوثيقة بينة و قبيلة(همدان) والتي كانت ستحول دون تعاونه مع خصومهم(الشولان)، ولخبرته الطويلة في المحافظة ومعرفته بكواليس الصراع فيها والتي كانت ستمنع حدوث هذه الفتنة ومسرحية الحرب ضد الحوثيين . أيضاً وقوف الشيخ ناجي الشايف الى جانب الشريف ضد الخصم المشترك لهما أمين العكيمي وتعاونهما في إستنساخ مشائخ جدد داخل قبيلته لإضعاف سيطرته على قرارها ، وبهذا تكون الأرضية جاهزة لإشعال الفتيل .
غير أن الأكيد أن إشعال جبهة الجوف لم ولن يقض على الحوثيين فيها والذين كانوا قبل هذة الحادثة عبارة عن مجموعة صغيرة ومعزولة ، بل على العكس زادت هذة الحرب المفتعلة من قوة الحوثيين في المحافظة ورفدتهم بمجاميع قبلية كبيرة عجز الحوثيون عن إقناعهم فكرياً فجاءت الحرب لتعم الحوثي وغير الحوثي من تلك القبائل المستهدفة مما اضطر الجميع للمواجهة وبهذا تمدد الحوثيون ودخلوا الى مناطق لم يكونوا ليدخلوها لولا الغطاء الذي وفرته لهم قبائلهم بحجة أن من يقاتلهم قبائل أُخرى وليس الدولة. وهكذا تكاثرت أطراف النزاع واتسعت رقعة المعركة والحصيلة الغير نهائية 24قتيل واكثر من 30جريح وحالة من التوتر والخوف والمآسي والشلل التام لأبسط مقومات الحياة ولا زال الوضع مرشحاً للمزيد . فهل يستوعب المعنيون القول بأن إشعال الحرب شئ والسيطرة عليها والتحكم بنهاياتها شئ آخر ، نأمل ذلك .