الانفصال خيار سياسي ولكن !
بقلم/ محمد محمدالمقالح
(1,600 قراءة) الأربعاء 29 إبريل-نيسان 2009 11:44 م
--------------------------------------------------------------------------------
من المحتمل أن تفقد حياتك أو حريتك إذا قلت كلمة حق أمام سلطان جائر ولكن من غير المحتمل أن تبقى محتفظا بمكانتك إذا قلت كلمة حق أمام جمهور غاضب ولهذا السبب بالذات نجد " أبطالا" -عبر التاريخ- يسارعون إلى التضحية بكلمة الحق من اجل الحفاظ على مكانتهم في وعي جمهورهم الغاضب الذي لا يرغب في أن يسمع إلا كل ما يرضيه ويشفي غليله حتى ولو كان على خطأ أوفي ضلال مبين .
في السياق السابق يكون البطل الحقيقي هو من يستطيع أن يقف على منصة الخطابة ويقول للآلاف من محبيه وممن يهتفون لشجاعته وبطولاته "أيها السادة انتم على خطأ" وهذا بالضبط ما لم تقله المعارضة لجمهورها حتى الآن.
ليس المطلوب من قيادات المعارضة اليمنية أن تفقد جمهورها أو مكانتها في وعي هذا الجمهور الغاضب وكل ما هو مطلوب منها اليوم هو الحفاظ على هذا الوعي الذي يتم تزييفه وتضليله بثقافة الكراهية والعنصرية والدعوات الانفصالية الصريحة والمبطنة.
أحزاب المشترك وتحديدا الاشتراكي والإصلاح هي أكثر القوى السياسية اليمنية حضورا وتأثيرا في الجنوب وفي كل اليمن- وان بنسب متفاوتة هنا وهناك - ولكن غياب برنامج الإصلاح أولا والاشتراكي ثانيا والمشترك ثالثا عن الشارع السياسي في الجنوب قد ترك فراغا هائلا تم ملؤه بقوى ومشاريع جديدة تسعى اليوم لإقصاء الجميع بمن فيهم الأحزاب التاريخية والكبيرة التي بدت متبلدة ومسلوبة الإرادة وفاقدة للوزن والمعنى والى درجة أن احد قيادات هذه الأحزاب الكبيرة حرص على اجراء أربعة حوارات صحفية في أسبوع واحد فقط ليقول لنا بان السلطان طارق الفضلي قد مثل إضافة نوعية للحراك الجنوبي ناسيا أو متناسيا ماذا يمثل هو وحزبه الكبير من إضافة نوعية للحراك الجنوبي.
الانفصال خيار سياسي ولكن
الانفصال خيار سياسي لا شك في ذلك ومن حق كل من يؤمن بهذا الخيار أن يعمل من اجله ويتحمل تبعاته ومسؤولياته، ولكن هل الانفصال ممكن؟ وما هي آليات تحقيقه ؟ وهل يقدر من يدعون إليه ويرفعون شعاراته وأعلامه كلفته وتبعاته ؟
لا احد مع الحرب والاقتتال الداخلي ولكن الدعوة إلى الانفصال هي في معناها النهائي دعوة تلقائية للحرب والاقتتال الداخلي وما حدث قبل يومين في مدينتي المكلا وزنجبار على محدوديته ليس سوى أنموذج تدريبي لما يمكن أن يحدث -لا سمح الله- في كل مدينة ومحافظة يمنية في حالة تصاعد الدعوة الانفصالية والعمل من اجلها.
ليس الهدف من هذا الكلام التهويل من خطورة الانفصال بقدر ما هو توصيف لما يمكن أن يكون عليه الوضع في اليمن وعلى الانفصاليين الحقيقيين ألا يخافوا أو يزعلوا إذا ما وصفوا بالانفصالية طالما وهذا هو خيارهم وليست تهمة بالنسبة لهم بل وعلى استعداد كامل أن يدفعوا ثمن هذا الخيار وتكاليفه، أما إذا لم يكن لديهم وعي بكل هذه الحقائق فان من واجبنا تنبيههم إليها وتحذيرهم من عدم اخذ حيطتهم إزاءها.
لن يكون الحزب الاشتراكي اليمني انفصاليا أكثر من بعض رموز السلطة في صنعاء أو من طارق الفضلي وأمثاله ممن أفتوا بعدم جواز الوحدة مع الشيوعيين الملحدين في الجنوب وإذا ما حاول الحزب ذلك فلن يعمل شيئا سوى تكرار حكاية الحمامة التي حاولت تقليد مشية الغراب وبالتالي تقديم نفسه لقمة سائغة لمن ينتظرون اللحظة التي يسقط فيها ممزقا وحينها سيكون الاشتراكيون في الجنوب محظوظين إذا ما سكت عنهم ولم يقدموا إلى المشانق بتهمة توحيد سلطنات ومشيخات المحميات الغربية والشرقية أولا وتوحيد شمال اليمن بجنوبه ثانيا .
طارق الفضلي اليوم يجامل الحزب ويقول بأنه "سينفض الأتربة عن أحذية" من أسماهم "رؤساءنا " وهي ذات العبارة الفاقعة التي سبق وان استخدمها في الحديث عن قائد تنظيم القاعدة ومن اسماه "بتاج رأسه وقرة عينه" قبل أن يكتشف أن عودته على رأس سلطنة الفضلي لن يتم إلا إذا ركب على ظهور الكادحين والفلاحين من جماهير الحزب وتقديمهم قربانا لمشروعه السلاطيني المتخلف.
الجمهورية والوحدة والديمقراطية والتحديث مكونات أساسية في مشروع الحزب والحركة الوطنية وهي كذلك لكل من يريد لليمن خيرا وازدهارا ،والنكوص عنها أو تحويلها إلى أوراق في المكايدة السياسية اليومية لعب بالنار وخسارة كبيرة لحاملي المشروع اليمني الحديث بقدر ما هي انتصار تاريخي لقوى التخلف والرجعية والاحتراب الداخلي.
ليس صحيحا أن الجنوب كان متقدماً على الشمال، والصحيح هو أن مشروع الجنوب كان متقدما على مشروع الشمال وبضربه في حرب 1994م الإجرامية ضرب اليمن الحديث علي أيدي الفضلي وأمثاله من المجاهدين والمتفيدين في صنعاء وفي أبين وفي كل اليمن .
الحزب والقضية
القضية الجنوبية هي قضية اليمنيين جميعا ولكنها قضية الحزب الاشتراكي اليمني أولا ، ليس لأنه مسؤول مسؤولية أخلاقية عن دولة الاستقلال الوطني وما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بسبب حكمه لها لمدة 25عاما تقريبا بل ولأنه -والفصائل التي يتكون منها - هو الذي أنشأ تلك الدولة وصنع تاريخها الوطني وهو الذي مثلها في دولة الوحدة وهو أيضا من استهدف مشروعه الوطني بحرب صيف 1994م وبإخراجه من شراكة دولة الوحدة اخرج الجنوب من الشراكة الوطنية فيها وضرب مشروعها الديمقراطي و أي محاولة لإخراجه اليوم من المعادلة الجنوبية لا يعني سوى إخراج الجنوب من المعادلة السياسية واستبدالها بمعادلة جغرافية متخلفة يكون على رأسها مجموعة من الموظفين والمنتفعين كما هو الحال الآن ومنذ 7 يوليو1994م مع شيء من التعديل الذي تقتضيه ظروف وحاجات المناضلين الجدد.
تعرف القوى الانعزالية أن قوة الحزب وتأثيره في وعي الناس وذاكرتهم وطموحاتهم لا تأتي من بنيته التنظيمية الضعيفة بل بسبب حاجة الناس إليه والى برنامجه السياسي والاجتماعي أولا، ولكونه جزءا من ذاكرتهم الحية في الوحدة والديمقراطية والعدالة والمواطنة ثانيا ،وهي لذلك تسعى إلى ضربه في صميم تكوينه ونشأته وبرنامجه بل في صميم وجدانه وذاكرته الوطنية وإذا ما نجحوا فانه لن يكسب القوى الانفصالية بقدر ما سيخسر نفسه وفكرته وجزء اكبيرا من جسده وعضويته.
على الاشتراكيين أن يدركوا حجم وأبعاد مؤامرة تغييبهم عن القضية الجنوبية والوطنية وان يجعلوا من التحضير لعقد مؤتمرهم العام السادس ومؤتمرات منظمات الحزب في المديريات والمحافظات مناسبات حزبية كبيرة وأن يحولوها إلى مهرجانات شعبية واحتجاجية يؤكدون فيها حضور الحزب في الشارع السياسي ويبرزوا من خلالها موقفهم من القضية الجنوبية وأنها قضيتهم الأولى وفقا لبرنامجهم السياسي ومشروعهم الوطني بعيدا عن ما يضخ إليهما من خارج الحزب ولصالح مشاريع وقوى أخرى تريد تغييب الحزب وإخراجه من المعادلة الجنوبية أولا والوطنية ثانيا.
...وعليهم بهذا الصدد أن يسألوا أنفسهم لماذا في الوقت الذي يشكل الحزب معظم جسد وقيادة الحراك الجنوبي تحرص القوى الطارئة على الحراك _كل الحرص_ على تغييب الحزب وعدم ذكره ويستفزها رؤية أعلامه وسماع شعاراته في كل الفعاليات الجنوبية بل انها لا تخفي عداءها له حتى ولو من باب المجاملة و رد الجميل للدماء التي سكبها ويسكبها سخية وزكية من اجل القضية الجنوبية وشراكة الجنوب اليمني في دولة الوحدة دولة المواطنة والقانون.
يبقى أن أقول بان جزءا من هذا المقال لن يعجب بعض الأصدقاء ولهؤلاء تحديدا أقول لهم بأنني سأظل صديقا غير أنني أومن بان "الصديق هو من صدقك لا من صدقك" أو جاملك على ما يعتقده خطأً.