التكفير موقف يؤذي الوطن
عبدالله فراج الشريف - كاتب سعودي « صحيفة البلاد » - 6 / 6 / 2009م - 7:25 م
ما لا يحتاج إلى فتوىلا أحد يشك أن تكفير المخالف رأيا وفكرا، مذهبا وطائفة، من وسائل بث الفتن، التي تسببت عبر العصور في اراقة الغزير من الدماء، مع ما تنشره من التباغض والكراهية الشديدة بين المسلمين، فتفرقهم وتقطع الصلات بينهم، وكل محاولة لتبرير التكفير أيا كان مصدره إنما هو حث مباشر على اتخاذه موقفا يؤذي الوطن وأهله، فما رأى الوطن عنفاً إلا في ظله، وما اريق دم معصوم بالباطل إلا بسببه.
وحينما تتصاعد المواقف به فيجب على العقلاء ان يقفوا صفاً واحداً في وجه هذا التصاعد، وبيان عظم خطر مواقف التكفير على الوطن وأهله، وبث الوعي بين الناس بعدم قبولها، وعدم الاصغاء لمن ينشرونها بينهم، درءا لفتن لا يعلم إلا الله ما ستبلغه من مدى، قد يأتي على أرواح كثيرة، ويبدد آمالا عظيمة، في حياة أفضل لو عملنا لها ونهضنا بوطننا كما يجب، والمعلوم بداهة ان الفتوى ان كانت بحثا عن حكم واقعة جديدة، لا يجد العلماء لها نصا بذاته يشير الى حكمها، ويحتاجون للاجتهاد للوصول الى حكم فيها، فهذه مهمة المجتهدين منهم، وحبذا إذا كانت القضية المعروضة مهمة للأمة ان يخضعوها لاجتهاد جماعي منهم، ويكون بينهم من أهل التخصصات الأخرى كل من لعلمه وخبرته دخل فيها، وإما ان كان الأمر لا يعدو استفسارا عن شيء من الاحكام له نصوص متوافرة، وقد استنبطه العلماء من قبل، فمهمة الاجابة عليه وظيفة الفقيه يرشد إليه، وهو مرصود في كتب العلم يطلع عليه كل قارئ لها، له الأدوات العلمية لفهمها.
وأما نسبة إنسان الى الكفر مع ما يترتب على ذلك من اضرار تلحق به وبأسرته، لعل افدحها ازهاق روحه، وان لم يحدث هذا شوهت صورته ونفر الناس منه، فهذا أمر خطير ليس مجالا للفتوى، ومرجع ذلك الى القضاء، والحكم به يحتاج الى ضوابط واضحة لا تجعل الحكم به سهلا فتزهق الأرواح لأول شبهة، ولعل حكم الردة من الندرة بمكان يظهر في تتبع أحوال العهد الأول للاسلام، حتى لا تكاد ان تجد له مثالا، وأما ان يؤيد هذه المواقف التكفيرية كاتب صحفي أو يثني على اصحابها، أو يحاول الاعتذار عنهم أو تبرير أقوالهم، فهو يسقط مصداقيته ويتخلى عن مبادئه، وقد لمسنا في زماننا هذا ظواهر لم تكن في من قبلنا، فقد كان حملة الرأي والفكر تتطور افكارهم على مر زمانهم، ولكنهم لا يتراجعون عن مبادئهم النبيلة التي آمنوا بها وناضلوا من اجلها، ولكنا اليوم وجدنا البعض يتراجع عن تلك المبادئ بكل سهولة، بل وينتقل من النقيض الى النقيض، طلبا لشهرة أو رغبة في تحصيل مصلحة.
واليوم هؤلاء يتناسخون في ساحتنا الاعلامية، كفانا الله تقلبهم، وأعان كتابنا النبلاء على الرد عليهم وتحجيم أثرهم، فذاك ما نرجو والله ولي التوفيق.